سورة نوح - تفسير تفسير ابن جزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (نوح)


        


{مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16)}
{مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} فيه أربع تأويلات: أحدها أن الوقار بمعنى التوقير والكرامة، فالمعنى: مالكم لا ترجون أن يوقركم الله في دار ثوابه. قال ذلك الزمخشري. وقوله: {لله} على هذا بيان للموقر، ولو تأخر لكان صفة لوقاراً. الثاني أن الوقار بمعنى التؤدة والتثبت، والمعنى: مالكم لا ترجون لله وقاراً، متثبتين حتى تتمكنوا من النظر بوقاركم وقوله: {لله} على هذا مفعول دخلت عليه اللام اللام كقولك: ضربت لزيد، وإعراب وقاراً على هذا مصدر في موضع الحال. الثالث أن الرجاء هنا بمعنى الخوف، والوقار بمعنى العظمة والسطان، فالمعنى: مالكم لا تخافون عظمة الله وسلطانه ولله على هذا صفة للوقار في المعنى، الرابع: أن الرجاء بمعنى الخوف، والوقار بمعنى الاستقرار، من قولك: وقر بالمكان إذا استقر فيه، والمعنى: ما لكم لا تخافون الاستقرار في دار القرار إما في الجنة أو النار {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً} أي طوراً بعد طور، يعني أن الإنسان كان نطفة ثم علقة ثم مضغة إلى سائر أحواله، وقيل: الأطوار الأنواع المختلفة، فالمعنى أن الناس على أنواع في ألوانهم وأخلاقهم وألسنتهم وغير ذلك {طِبَاقاً} ذكر في [الملك: 3] {وَجَعَلَ القمر فِيهِنَّ نُوراً} القمر إنما هو في السماء الدنيا، وساغ أن يقول فيهن لما كان في إحداهن فهو في الجميع كقولك: فلان في الأندلس، إذا كان في بعضها، وجعل القمر نوراً والشمس سراجاً، لأن ضوء السراج أقوى من النور، فإن السراج هو الذي يضيء فيبصر به والنور قد يكون أقل من ذلك.


{وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (18) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19) لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (20) قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22)}
{والله أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأرض نَبَاتاً} هذا عبارة عن إنشائهم من تراب الأرض، ونباتاً مصدر على غير المصدر أو يكون تقديره: أنبتكم فنبتم إنباتاً، ويحتمل أن يكون منصوباً على الحال {ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا} يعني بالبعث من القبور {والله جَعَلَ لَكُمُ الأرض بِسَاطاً} شبه الأرض بالبساط في امتدادها واستقرار الناس عليها، وأخذ بعضهم في لفظ البساط أن الأرض بسيطة غير كروية، خلافاً لما ذهب إليه أهل التعديل، وفي ذلك نظر {سُبُلاً فِجَاجاً} ذكر في [الأنبياء: 31] {واتبعوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً} يعني اتبعوا أغنيائهم وكبراءهم، وقرئ وَلدُه بفتحتين وَوُلْد بضم الواو وسكون اللام وهما بمعنى واحد {وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً} الكبّار بالتشديد أبلغ من الكبار بالتخفيف، والكبار بالتخفيف أبلغ من الكبير.


{وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24) مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا (25)}
{وَقَالُواْ لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ} أي وصى بعضهم بعضاً بذلك {وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً} هذه أسماء أصنامهم، كان قوم نوح يعبدونها، وروي أنها أسماء رجال صالحين كانوا في صدر الدنيا، فلما ماتوا صوَّرهم أهل ذلك العصر من حجارة، وقالوا: ننظر إليها لنتذكر أعمالهم الصالحة، فهلك ذلك الجيل وكثر تعظيمهم من بعدهم لتلك الصور، حتى عبدوها من دون الله، ثم انتقلت تلك الأصنام بأعيانها؛ وقيل: بل الأسماء فقط، إلى قبائل العرب، فكان وَدّاً لكلب بدومة الجندل، وكان سواع لهذيل، وكان يغوث لمراد، وكان يعوق لهمدان، وكان نسراً لذي الكلام من حمير. وقرئ وَداً بفتح الواو وضمها ووُدّاً وهما لغتان {وَقَدْ أَضَلُّواْ كَثِيراً} الضمير للرؤساء من قوم نوح، والمعنى أضلوا كثيراً من أتباعهم، وهذا من كلام نوح عليه السلام، وكذلك {وَلاَ تَزِدِ الظالمين إِلاَّ ضَلاَلاً} من كلامه، وهو دعاء عليهم. وقال الزمخشري: إنه معطوف على قوله: {رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي} [نوح: 21] والتقدير: قال: رب إنهم عصوني، وقال: {لا تزد الضالمين إلا ضلالاً} {مِّمَّا خطيائاتهم أُغْرِقُواْ} هذا من كلام الله إخباراً عن أمرهم، وما زائدة للتأكيد وإنما قدم هذا المجرور للتأكيد أيضاً ليبين أن إغراقهم وإدخالهم النار، إنما كان بسبب خطاياهم وهي الكفر الكفر وسائر المعاصي {فَأُدْخِلُواْ نَاراً} يعني جهنم. وعبَّر عن ذلك بالفعل الماضي لأن الأمر محقق، وقيل: أراد عرضهم على النار وعبر عنه بالإدخال.

1 | 2 | 3